بعد مرور 150 عاما على افتتاح قناة السويس
المصرية، لا يزال تاريخ السفن 14 التي تقطعت
بها السبل بعد حرب 1967 من أكثر الأحداث
غرابة
ففي صباح الخامس من يونيو/حزيران 1967
كان ينبغي أن تمر سفينة "فيل ساول"
التجارية عبر قناة السويس، لكن قبل ساعات
قليلة من العبور
فكر قادة السفن في التراجع لأن التوتر بين
إسرائيل ومصر كان يلوح في الأفق، مع ذلك
اختارت المجموعة أخيرا أن تتحرك نحو القناة
واثقة من أن الحرب لن تندلع بعد
وفي تقرير نشرته صحيفة "بوبليكو"
الإسبانية، قال الكاتب مارك إسبانيول -الذي
كان آنذاك على وشك بلوغ 19عاماً
"لقد كانت رحلة عادية وكنا سنعود إلى منازلنا بعد
"أسبوع
حين دخلت قافلة السفن إلى القناة بالفعل بدأ
الوضع يتغير، حيث سمع ساول عبر الإذاعة أن
الحرب بدأت للتو، وكان تصاعد أعمدة الدخان
أمام أعينهم خير دليل على اندلاع الحرب
بعد مرور فترة وجيزة، دخلت سفينة ساول
إلى منطقة البحيرات المرة، وشاهد طاقم
السفينة الإسرائيليين يعبرون القناة. وقال
ساول "في البداية تصرفنا مثل مشجعي
كرة القدم حيث كنا أغبياء للغاية، ولم نكن ندرك
مدى جدية المسألة، لم أكن أعي قوة وخطورة
الأحداث حتى رأيت عاملا في القناة تملأ الدموع وجهه"
ثم شاهدنا أناسا يموتون أمام أعيننا
وعندما أمر النظام المصري بقيادة جمال عبد
الناصر بإغلاق القناة لأجل غير مسمى،
كانت قافلة السفن بأكملها لا تزال في البحيرات المرّه
في منطقة لا تنتمي لأي طرف، يقول ساول
ذلك الحين، لم يكن أحد من بيننا يتخيل”
حتى في أحلامه الأكثر جنونا أن السفن
ستبقى في قناة السويس لمدة ثماني سنوات”
كان وجود الأسطول الأصفر في القناة محتجزًا
يعد آلية دفاعية كبيرة ؛ فبوجودهم لن يتمكن
الجيش الإسرائيلي من التواجد في مياه
القناة ، وستبقى الحد الفاصل بين الجيشين
استمرت الحرب الأولى لستة أيام فقط
وبعدها تواصلت السفن مع السلطات بالراديو
لتسمح لهم بالخروج ، ولكن رفضت السلطات
خروجهم ، وقامت بإغلاق الراديو ، ومنعت
التنقلات
بين السفن في محيط البحيرة ، كما
تعد أي محاولة من أصحاب السفن للنزول إلى
المياه ، أو الهروب بمثابة محاولة انتحار
ولكنهم خرقوا تعليمات الأمن المصري في
اليوم 11من يونيو وقاموا بإنزال عدد من
قوارب النجاة في مياه البحيرة لإنقاذ الجنود
المصريين الذين يحاولون العبور إلى الضفة
الغربية ، وقد وصل عددهم إلى ما يزيد عن
200جندي ، وقدم أصحاب السفن المساعدات
للجنود حتى استلام القوات المصرية لهم
شهر تلو الآخر، تأكد أعضاء طواقم السفن
العالقة بالبحيرات المُرّه الكبرى أن رحيلهم
أصبح مرهوناً بإنتهاء الصراع العسكري القائم
ومن ثم، بات عليهم التفكير في سبيل لتقنين
يوميّاتهم والعلاقات فيما بينهم
وصل عدد الأشخاص على متن هذه السفن إلى
250 فرد ، بينهم امرأة واحدة فقط ، وسُميت
سيدة البحيرة
طلبت السفن من السلطات السماح لهم
بالتجمع على متن إحدى السفن في يوم
من كل أسبوع لإقامة شعائرهم الدينية
فسمحت لهم وقد استغل أصحاب السفن هذا
لتنظيم حياتهم خلال إقامتهم في البحيرة
أفادت رواية أحد قائدي السفن البريطانية في
ذلك الأمر بأنهم كانوا يقضون أوقاتهم في
ممارسة بعض الألعاب كرمي السهام ، ولعب
الورق ، وأداء الأغاني ، وممارسة السباحة
وبالرغم من ذلك فإن كثير من أفراد هذه
السفن وجدوا صعوبة بالغة في قضاء الوقت
محتجزين في البحيرة
شكل أسطول اتحاد البحيرات المُره الكبرى
في شهرأكتوبر عام 1967 وكان بمثابة مجتمع
كامل حيث أقاموا صلواتهم يوم الأحد على
السفينة الألمانية و كانوا يشاهدون الأفلام في
السفينة البلغارية وكانت تقام مباريات الكرة
على السفينة البريطانية ، و السفينة السويدية
كانت صالة الألعاب الرياضية
هذا بالإضافة إلى وجود طبيب على السفينة
البولندية ، وكان يمر على الكل في جميع
السفن للتحقق من صحتهم فكانت السفينة
البولندية بمثابة مستشفى مُجتمع البحيرة
وقد وصل الأمر إلى تأليف نشيد وطني خاص بهم
وعلَمًا خاصًا بهم
بالإضافة إلى منح كل فرد شارة تُعبر عن
اتحاد البحيرة ورابطة عنق
وقد أقاموا الأوليمبياد الخاصة بمجتمع
البحيرة في العام نفسه الذي أقيمت به
الأوليمبياد عام 1968 في المكسيك ، وكانت
جميع دول الأسطول الأصفر مشاركة بها ؛
فقرروا إقامة الأوليمبياد الخاصة بهم
كان مجتمع البحيرة مترابطا بدرجة كبيرة
حتى أن بعض الطواقم التي غادرت الأسطول
فضلت العودة لقضاء ستة أشهر أخرى في
البحيرة واستمر بهم الحال ولم يتضرر
الأسطول حتى عام 1973 أثناء
حرب أكتوبر
تم ضرب سفينة أمريكية بصاروخ إسرائيلي
تسبب بغرق السفينة لحسن الحظ لم يكن
هناك أحد عليها
والتي تنتمي إليها جميع السفن ماعدا دولة
السويد ؛ فكانت طرفا محايدا
وهذا ما صنع أحد أهم الأحداث النادرة التي
قامت على متن هذه السفن فبإستمرار الحرب
الباردة بين الإتحاد السوفيتي وأمريكا حدثت
بعض الإنتفاضات والمعارضات من قبل
تشيكوسلوفاكيا على الأنظمة الشيوعية
يقرر القدر أن يصنع مفارقات تاريخية من
طراز خاص، فبرغم انتماء بحارة السفن
لمعسكري الحرب الباردة في تلك الحقبة، الكتلة
الرأسمالية الغربية، والكتلة الشرقيه
الشيوعية، فتميزت هذه السفن بوجود حرب
باردة بين أمريكا ، والاتحاد السوفيتي ، وجميع
البلاد الموالية لهما
التي كان يتبعها الإتحاد السوفيتي وحلفاؤه
مما أدى لإبرام نيران الغضب بينهم فكيف
يمكن لتشيكوسلوفكيا الإعتراض ومحاولة
الخروج عن النظام؟
وهذا ما دفع الإتحاد السوفيتي لإرسال نصف
مليون جندي بولندي بولغاري اللذان كانا
الحلفاء بدورها إلى تشيكوسلوفكيا لكبح تلك الصراعات
التي سميت بإحداث ربيع براغ نسبة لعاصمة
تشيكوسلوفكيا
وراح نتيجتها الأف الضحايا من
تشيكوسلوفاكيا
مما أثر على وضع الأسطول الأصفر حيث كان
من ضمن السفن سفينة تشيكوسلوفاكية و
بولندية واخرى بلغارية
فما كان لهم إلا أن يلاحظوا الضرر الذي لحق
بالتشيكوسلوفاكين وحدادهم وتنكيسهم
الأعلام
تضامنًا وحزنًا على ضحايا وطنهم
وعلى عكس المتوقع دفع هذا القبطانين
البولندي والبلغاري إلي الذهاب للسفينة
التشيكوسلوفية لتعزية اصحابهم واخبارهم
بالنص الواحد أنهم لا يمكنهم السماح لما حدث
بين أوطانهم بالتأثير على علاقتهم وأنهم في
غاية الأسى لما حدث
بعدها توافد باقي الطاقم من كل السفن لفعل
المثل متجاهلين كل النزاعات والصراعات القائمه بين دولهم
بعد هذه الحادثة التي أختبرت مدى انسانية
الطاقم وقوة علاقتهم مرت الأيام متراكمة إلى
سنين حتى بلوغ مدة توقف السفن خمس
سنوات
حيث بدأ الأمل يتلاشى بالخروج من هنا
وبدأت الدول المالكة للسفن بتقليص عدد الطواقم
وضم السفن إلى بعضها
البعض لتقليل تكاليف الإصلاحات حتى وصل
عدد الطاقم ل30 فردًا فقط
أخيرا، انتهى الصراع باتفاقية وقف إطلاق النار
وبدأوا في سحب القوات حسب المعاهدة عبر
حدود قناة السويس، كما بدأت مصر في إزالة
أكوام الحطام والألغام الأرضية والسفن
القديمة
لفتح القناة، لكن الأمر استغرق عامين و120
ضفدع بشري لتنظيفها وفي 5 يونيو/ حزيران1975
أعيد فتح القناة.
بعد ثمانية سنوات من العزلة والجثوم في
مكان واحد، أصبحت بقية السفن، التي عاثت
فيها رمال الصحراء والمناخ الحار للمنطقة مما
أكسبها لقب "الأسطول الأصفر"، في حالة
متدهورة
لم تتمكن سوى سفينتان اثنتان من مغادرتها
بقوة محركاتها، وهما السفينتان الألمانيتان
(مونسترلاند) و(نوردویند) وتم استقبالهما من
طرف 30 مواطنا تجمهر للاحتفال بعودتهما
في (هامبرغ) حيث كانت احداهما تحمل
حديدا لمصنع أودي للسيارات وعند وصولهم
تم شراءه بعشرات أضعاف السعر بعد مرور 8
سنوات
جعلت الدول التي تعود لها ملكيتها تعزف عن
إنقاذها، حيث تم إغراق واحدة من السفن
SS African Glen الأمريكية وهي الـ
بواسطة صاروخ إسرائيلي في سنة 1973،
واعتبرت بريطانيا سفنها الأربعة خسارة لا
يمكن إنقاذها، وقامت النرويج بشراء السفينة
السويدية (نيبون).
كانت السفن قادرة على التواصل رغم اختلاف
اللغات وتتقاسم الطعام رغم عداء دولهم
وتخلق سُبلا للتمسك بالأمل رغم طول
الانتظار فصُنع وسط البحيرات دولة رغم
قسوة الظروف، ورغم صوت الحروب حولها
فإنها كانت أكثر البقاع سلاما دون أي حدود أو
قيود
وهنا تنتهي قصة أطول وأغرب رحلة بحرية
دامت ل8 سنوات و3 شهور و5 أيام لا يمكنني
أن أطلق على ذلك الأسطول الذي استطاع أن
يصبح دولة وكياناً واحداً في البحيرة المرة
بسبع لغات مختلفة سوى( دولة العجائب)
.
.
.
.
المصدر:
Insta:@xsalmradx5
اتمنى قراءه صفحة إتفاقية المستخدم
تعليقات
إرسال تعليق